20 - 10 - 2024

عاصفة بوح| الناس دم ولحم ياحكومة الحجارة!

عاصفة بوح| الناس دم ولحم ياحكومة الحجارة!

هكذا قفزت تلك العبارة إلى ذهنى وأنا أرى آثار الانفجار الغادر الذي أدى إلى تداعى جزء من معهد الأورام، تاركا قتلى وجرحى وكاشفا عن مأساة المعهد الحكومى المتاح للغلابة من مرضى السرطان اللعين بعيدا عن الإعلانات والتبرعات المليونية للمستشفى ابن المحظوظة (57357) المقدسة التى لايأتيها الباطل من أمامها وورائها، المعصومة من الاتهامات وإن صدرت من ضمير صحفى وقلم كاتب معروف.. فقوات الحماية المدنية تسرع للانقاذ ولمنع النشر، ومن ثم تلقى القضية فى أتون اللجان والتحقيقات حتى يطالها النسيان أو تاتى الفئران الجائعة لتتكفل بالباقى!

تتساءلون ماعلاقة تلك الحادثة بهذا الحديث؟

العلاقة بين أولاد الغلابة وأولاد الذين.. الفرق بين مستشفيات البسطاء ومستشفيات الاعلانات، وما أدراك ما سطوة الإعلانات، تدور من حولها الحياة، إعلام ومحطات فضائية والذى منه.. كعكة كبيرة تتحكم فى غذاء عقولنا بين المسموح أن نعرفه وبين المستخبي الذي لا يجب كشف ستره.. بين حقك في أن تعلن شكواك بملء الفم لتصل للمسؤولين فتوقظهم من سباتهم.. أو يرتدعوا خوفا من الحساب!! 

قيل أيام الثورة المغدورة، كان أقصى عقاب يمكن أن ينال مبارك وعائلته، هو الحكم عليهم أن يعيشوا حياة الغلابة بالأخص فى العشوئيات، يأكلون من طعامهم ويركبون مواصلاتهم ويتعلمون فى مدارسهم ويعالجون فى مستشفياتهم وعياداتهم الحكومية، عقابا يستحقونه عما اقترفوه بحق المصريين.

تخيلوا؟ حياتنا/ حياة غالبية المصريين أصبحت عقابا قاسيا للمسؤولين المجرمين الذين لم يراعوا فينا ضميرا ولا دينا، مع أنهم أجراء عندنا.. ولكن لفساد الأوضاع والأحوال، أصبحنا إما عبيد إحسانهم، أو ضحايا سياساتهم وسجونهم!

حالة مستشفياتنا الحكومية عدم.. باللغة الدارجة للمصريين غير المتفرنجين، يعني سيئة ينقصها الكثير من الأساسيات، الكل يعلم، ومع ذلك لا نرى أحدا يؤجل مشروعات الحجر من أجل دم ولحم الناس.. لن نذكر مرتبات العدم هى الأخرى، والتى أدت إلى هروب كثير من الأطباء للخارج إن استطاعوا، أو إلى القطاع الخاص بمرتباته الواقعية والمناسبة لقيمة الطبيبوتكلفة الحياة (بعد تسونامى التعويم) مما خلق لأول مرة عجزا مقلقا فى عدد الأطباء، ولكن على مين؟.. الحكومة لن يطرف لها جفن، فلن تقوم لا بتحسين المرتبات ولا حتى بتقييم بدل العدوى يعادل خطورة آثاره، ولا بتوفير ظروف مواتية لممارسة مهنة تتعامل مع أجساد وأرواح أناس فى أكثر اللحظات ضعفا فى حياتهم!

فيكفيهم تحسين أحوال من يحتاجون ولاءهم.. وتكفيهم إنجازات الحجارة!؟

وبمناسبة الحجارة وتدفق أموال المتعاطفين، لن ننكر أن التكافل الاجتماعى مطلوب، وأن الصدقات تريح الكثيرين خاصة ممن خفت موازينه بكثير من المعاصى أو الجرائم، وجميل أن يهرع الناس للوقوف بجانب من عصفت بحياتهم الانفجارات.. أو عانوا من الغياب المطلق عن بال المعنيين بالأمر.. ولكن أليس منح الحقوق أعز على نفس هؤلاء من وضعهم فى قائمة الزكاة والصدقات؟ فلو وضعت الحكومة والمسؤولين نظاما عادلا للضرائب، لربما لم يحتاجوا لأموال التبرعات العلنية المذلة لكرامة المصريين، التي كانت بلدهم يوما سلة حبوب العالم.. أو التبرعات الخفية من أولاد الأصول الذين لايشترطون أن يخرج المحتاج والمنكوب وضحية الانفجار ليشكر جميع المسؤولين حتى آخر خادم فى أغلى منتجع حصل أصحابه على قصورهم فيه بالتقسيط المريح لولائهم المطلق لكل الحكام؟

ربما لو أدركت السلطة أن صحة المصريين التي أكلها السرطان، هى أمن قومي، وأن تفشى الأمراض خاصة بين الأطفال والشباب أمل الغد.. قد يشكل كارثة قومية فى السنوات القادمة،لأولت ميزانية الصحة عناية خاصة، وجعلتها من الأولويات، سابقة على بناء حجر لاينطق ولا يغنى من جوع، لأن أرض الله طاهرة جاهزة للعبادة فى أى وقت للرحمن الرحيم والمنتقم الجبار أيضا!

مجرد نظرة من الست الحكومة.. القادرة عندما تتوافر الإرادة والنية الصافية.. كما أثبتت فى حملة فيروس سى.. فلنعلنها حملة للمستشفيات الحكومية فى أنحاء المحرووسة، ربما نبدأ بمعهد الأورام ومستشفى أبو الريش للأطفال التى تحتفي بالمتبرعين ولو تبرعوا بجنيه، فهى فى حالة يرثى لها من حيث الاحتياجات الأساسية وعلى نفس المنوال في مصر كلها.. حملة جادة وصافية النية، ونظرة رشيدة من أهل الحكم بأن يكونوا قدوة، فنربط الأحزمة جميعا.. ونبتعد عن مظاهر الفشخرة الكذابة التى لاتليق بدولة يعلنون فقرها الشديد علنا.. فلتعلن الحكومة مزادا لبيع عربات المسؤولين المقدرة بالملايين وتستغنى الدولة عن جيش المستشارين الذي يكلفها الكثير قبل ان (تتشطر) على موظفى الحكومة والقطاع العام.. وجهات كثيرة لا مجال لعدها الآن، قد توفر بذلك الكثير والكثير من الاعتمادات، وتكون ماتوفره نواة صغيرة تمنح الحياة لطفل برىء أو أم يحتاجها أطفالها أو أب شاب مسؤول عن أسرة بكاملها، أو مرة أخرى.. أملا يُمنح للبسطاء والفقراء ومعدومى الدخل ومعدومي الحقوق، ويبشرهم بأنهم على بال الست الحكومة، وينالون نظرة منها! 
------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني
من المشهد الأسبوعي .. غدا مع الباعة

  

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة